تُظهر أحدث بيانات برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (UNAIDS) مدى التقدّم العالمي في مواجهة الفيروس؛ فاليوم يعرف 87% من المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية حالتهم الصحية، ويتلقى 89% منهم العلاج، فيما يحقق 94% من متلقّي العلاج تثبيطا فيروسيا فعّالا. أرقامٌ تعكس حصيلة سنوات طويلة من التقدّم العلمي والعمل المجتمعي الدؤوب حول العالم.

ورغم هذا التقدّم العالمي، لا يزال الواقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مختلفًا تمامًا. ففي عام 2024، لم تتجاوز نسبة من يعرفون حالتهم الصحية 63% من المتعايشين مع الفيروس، بينما لا يحصل على العلاج سوى 48% منهم، ولا يحقق التثبيط الفيروسي إلا 44%. هذه الفجوات الكبيرة، إلى جانب الارتفاع المستمر في الإصابات الجديدة، واستمرار الوصمة الاجتماعية، والعوائق البنيوية، وحالة عدم الاستقرار في بعض بلدان المنطقة، إضافة إلى الضغوط التمويلية، كلها عوامل تعيق الوصول إلى خدمات أساسية وفعّالة في الاستجابة للفيروس. ولهذا، بات العمل الإقليمي المشترك ضرورة لا يمكن تأجيلها.

وفي هذا السياق، شهدت العاصمة عمّان في 30 نوفمبر اجتماع خبراء ومنظمات مجتمع مدني من مختلف بلدان الإقليم، لإطلاق مبادرة إقليمية جديدة تهدف إلى تعزيز استدامة الاستجابة لفيروس نقص المناعة البشرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إطلاق المنحة الإقليمية الثالثة لبرنامج الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

شارك ممثلون من مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، إلى جانب شركاء وطنيين وإقليميين ودوليين، من بينهم مسؤولون في وزارة الصحة الأردنية، والدكتور أيمن مقابلة ممثلًا عن معالي الدكتور إبراهيم البدور، وممثلون عن الصندوق العالمي، وتحالف الصحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA-H Coalition)، والشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (امفنت)، في الفعالية التي حملت عنوان: "التضامن الإقليمي قيد العمل: استدامة الاستجابة لفيروس نقص المناعة البشرية".

جاء هذا اللقاء إيذانًا بإطلاق الدورة الثالثة من المنحة الإقليمية المتعددة البلدان لبرامج فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MCMENA III)، المموّلة من الصندوق العالمي، والتي تُعدّ من أبرز مبادرات التعاون التي تهدف إلى تعزيز جهود الوقاية والفحص والعلاج والدعم القائم على الحقوق في المنطقة.

وتحمل هذه الدورة محطة مهمة؛ فقد جرى اختيار امفنت لتكون الجهة الرئيسية المنفذة للمنحة (PR)، لتصبح بذلك أول مؤسسة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتولى هذا الدور في منحة إقليمية يدعمها الصندوق العالمي. ويعكس هذا الاختيار تقدّم الدور القيادي للمنطقة، إلى جانب التزام أكبر بتبنّي حلول مستدامة تُصمَّم وتُنفَّذ محليًا.

تعزيز الاستجابة الإقليمية لفيروس نقص المناعة البشرية

خلال حفل الإطلاق، شدّد المتحدثون على الحاجة الملحّة إلى تعاون إقليمي لمعالجة فجوات الخدمات وضمان استمرارية الرعاية. كما أكدوا أن منحة الصندوق العالمي متعددة البلدان الإقليمة الثالثة لبرامج فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MCMENA III) تركز على:

• ضمان استدامة تمويل البرامج المعنية بفيروس نقص المناعة البشرية، خصوصًا للفئات السكانية الرئيسية الأكثر عرضة لانتقال فيروس العوز المناعي البشري.

• دعم البرامج الوطنية المعنية بالفيروس.

• تعزيز خدمات الوقاية والرعاية المتكاملة والمستدامة.

• توسيع التدخلات المجتمعية بقيادة منظمات المجتمع المدني.

• صون الكرامة والمساواة وحقوق الإنسان للجميع.

واتفقت الجهات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني والشركاء الفنيون على أن التضامن والبرامج المبنية على الأدلة يبقيان عنصرين أساسيين لاستمرار خدمات فيروس نقص المناعة البشرية في المنطقة.

أصوات من مختلف أنحاء المنطقة

جمع حوارٌ إقليمي ممثلي منظمات المجتمع المدني التي تعمل كجهات منفذة فرعية (SRs) ضمن المنحة في البلدان الخمسة المشاركة، وهي:

• كاريتاس مصر

• مركز سواعد (FOCCEC) في الأردن

• جمعية العناية الصحية للتنمية المجتمعية الشاملة (SIDC) في لبنان

• جمعية محاربة الإيدز (ALCS) في المغرب

• الجمعية التونسية لمكافحة الأمراض المنقولة جنسيًا والإيدز (ATL)

وانضم إليهم شركاء إقليميون، من بينهم الجمعية الإقليمية للحد من الضرر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAHRA)، وشبكة مينا روزا (MENA Rosa)، والمنظمة الدولية للهجرة (IOM) – بصفتها الجهة الرئيسية في منحة MER، إلى جانب جهات أخرى.

وتناول المشاركون أولويات كل بلد، والدروس المستفادة من الدورتين السابقتين، مؤكدين أهمية الاستجابات التي تقودها المجتمعات المحلية، وتعزيز الروابط بين خدمات فيروس نقص المناعة البشرية وأنظمة الصحة بشكل عام.

من الرؤية إلى التطبيق: أربعة أيام من العمل الفني المشترك

بعد حفل الإطلاق، انتقلت المبادرة إلى مرحلة التنفيذ من خلال مهمة فنية امتدت أربعة أيام (1–4 ديسمبر).

وشارك في هذه المهمة ممثلو الجهات المنفذة الفرعية (SRs) وتحالف الصحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA-H)، والصندوق العالمي وامفنت، إضافة إلى شركاء فنيين من المنطقة، حيث ناقشوا محاور رئيسية شملت:

• تعزيز الممكنات الإقليمية مثل التواصل، ومنصات التعلم، والنهج القائمة على الحقوق.

• إشراك أصحاب المصلحة وضمان مواءمة العمل مع البرامج الوطنية والاستجابة الإقليمية للشرق الأوسط.

• تعزيز الجاهزية التشغيلية وبناء القدرات، بما في ذلك أطر المتابعة والتقييم، والمساءلة المالية، وجودة البيانات.

وبالتزامن مع اليوم العالمي للإيدز 2025 وشعاره: "تجاوز الاضطرابات… وتحويل الاستجابة للإيدز"، عكس الأسبوع الذي استضافته عمّان التزامًا إقليميًا متجددًا بإعادة الخدمات التي تأثرت بالتحديات، وتمكين المجتمعات، وتسريع التقدم نحو إنهاء الإيدز بحلول عام 2030.

ومع بدء البلدان المشاركة بتنفيذ أنشطتها، تقدّم منحة الصندوق العالمي متعددة البلدان الإقليمة الثالثة لبرامج فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MCMENA III) مسارًا موحّدًا ومرنًا وشاملًا، يُعنى بدعم الفئات الأكثر هشاشة، وحماية حقوقهم وكرامتهم، ودفع جهود الاستجابة للفيروس في المنطقة نحو آفاق أقوى وأكثر استدامة.

شاهد فيديو يوم الإيدز العالمي 2025 من هنا.

شاهد فيديو الخاص بهذا الحدث من هنا.